وبعد هذه الأربعين يوماً التي يمكثها الدجال سينزل المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وعقيدة المسلمين أن عيسى بن مريم عليه السلام لم يُقتَل ولم يُصلَب ولكن رفعه الله إليه في السماء وأنه سيعود في آخر الزمان فَيَقتُل الدجال ويُظهِر الإسلام ويدعوا إليه.
ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بسوريا ومعه المسلمين حيث مقر المهدي عليه السلام ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق" (رواه الطبراني) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في وصفه لعيسى بن مريم ومكان نزوله "ليس بيني وبين عيسى نبي وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، ينزل بين ممصرتين (ثياب فيها صفرة خفيفة) كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل" (رواه أبو داود) وأول ما يفعله بعد نزوله هو أن يبدأ بالصلاة فهو ينزل وقد أقيمت صلاة الصبح وتقدم المهدي ليصلي بالناس وما أن يرى نبي الله عيسى عليه السلام حتى يتأخر ليقدمه لكي يأم الناس فيأبى عيسى عليه السلام أن يتقدم ويقول: (لا إن بعضكم على بعض أمراء)، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"، وفي رواية عند الإمام أحمد: "… فإذا هم بعيسى بن مريم فَتُقام الصلاة فَيُقال له: تقدم يا روح الله. فيقول: ليتقدم إمامكم فليصلّ بكم"
وهنا قد يُثار سؤالان:
السؤال الأول: ما الحكمة في نزول عيسى بن مريم عليه السلام بالذات دون غيره من الأنبياء؟
الجواب: قال ابن حجر في فتح الباري: "قال العلماء: الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرَّد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فبيّن الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم"اهـ.
وفيه أيضًا رد على النصارى الذين يزعمون إلهيته، فيكذبهم الله بنزول عيسى وإعلانه بشريته، بل وإسلامه بكسر الصليب وقتل الخنزير ورفض الجزية.
السؤال الثاني: لماذا لم يُصلّ عيسى عليه السلام إمامًا؟
الجواب: ما قاله ابن الجوزي: "لو تقدم عيسى إمامًا لوقع في النفس إشكال وقيل: أتراه تقدم نائبًا أو مبتدئًا شرعًا، فصلّى مأمومًا لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجهُ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي". وبعد رفض عيسى عليه السلام إمامة المصلين، يصلي المهدي بالناس، وبعد الصلاة مباشرة يتولى بنفسه قتل الدجال ثم القضاء على بقية اليهود ثم يدعوا إلى الإسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يَقْبَل إلا الإسلام أو السيف.
ثم تضع الحرب أوزارها، ويعيش الناس في نعمة لم ينعموا مثلها، فترفع الشّحناء والبغضاء، وينزع السُّم من ذوات السُّموم حتى يُدخل الوليدُ يده في فيّ الحية فلا تضره، ويلعب الصبيان مع السباع والأسود فلا تضرهم، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبُها، وتخرج الأرض بركتها وتنزل السماء خيرها، ويتزوج عيسى بن مريم عليه السلام.
ثم يحج عيسى عليه السلام الكعبة المشرفة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليُهِلَّن ابنُ مريم بفج الرَّوْحاء حاجًا أو معتمرًا أو ليثنّينهما".
ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض (سبع سنين) وفي رواية (أربعين سنة) فالله أعلم بما سيكون. ثم يتوفى بعد أن يهلك الله في زمنه يأجوج ومأجوج.
العلامات الكبرى: وهي على قسمين: علامات يراها المؤمنون وهي ستة علامات، وعلامات لا يراها المؤمنون وهي أربعة علامات.
والعلامات التي يراها المؤمنون بالترتيب هي: الدجال، وعيسى بن مريم عليه السلام، وقد تكلمنا على هاتين العلامتين وبيَّنَّاهما، ويتبعهما خروج يأجوج ومأجوج وذلك بعد أن يقتل عيسى عليه السلام المسيح الدجال.
يأجوج ومأجوج طائفتان من التُّرْكْ من ذرية آدم عليه السلام والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين: "عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة، يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك: قم فابعث بعث النار من ذريتك، فيقول: يارب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قال: فاشتد ذلك عليهم. قالوا يا رسول الله أَيُّنَا ذلك الواحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، فإن منكم واحداً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً" وهذا الحديث يدل على كثرتهم، وعلى أنهم أضعاف الناس مراراً عديدة. ومما يدل على ذلك أن المسلمين سيوقدون من قِسِّي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين ومعنى النشاب: السهم
ثم أنهم من ذرية نوح عليه السلام والدليل قول الله تعالى عن نوح "وَجَعَلنا ذُرِيَّتَهُ هُمْ اَلْبَاقِيِن" ونوح عليه السلام له ثلاثة من الأولاد سام و حام ويافث، فسام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك، ومما يدل على ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر والسودان".
وأما عن وصفهم فلهم نفس أوصاف الترك المغول (عراض الوجوه-صغار الأعين-صهب الشعور (سواده يضرب إلى البياض أو الكدرة)- كأن وجوههم المجان المطرقة (أي التروس المستديرة)، وجاء بهذا الوصف حديث رواه أحمد في مسنده.