وتليهما الدابة حيث قال تعالى: "وإذَا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ اَلأرضِ تُكَلِّمُهُمْ إِنَّ اَلْنَاسَ كَاَنُوا بِآَيَاِتَنا لا يُوقِنُونْ" (النمل/82)، وهذه العلامة قرينة طلوع الشمس فإما أن تسبقها وإما أن تليها كما بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً"(رواه مسلم وأحمد وأبوداود وابن ماجة) وأما عن وصفها فليس هناك أثر صحيح في وصفها إلا أنه قيل أنها دابة عظيمة الخَلْقْ، لها ريش وزغب (زغب: ما يعلوا الغثاء من الوبر فإذا كبر تساقط) وقوائم. وإن كان لا يهمنا وصفها وذلك لأنه لن يكون لأحد اهتمام بشكلها أو أن يقف ينظر إليها وإنما سيخرجها الله لمهمة تكليم الناس فقط فتقول لهم: إن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون. وتضع علامة في وجوههم فَيُعرَف المؤمن من الكافر، وهذا ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقال ها ها يا مؤمن ويقال ها ها يا كافر ويقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر" (رواه أحمد وأبوداود).
الدخان:-
وتليها الدخان حيث قال تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم" (الدخان/10،11) وروى ابن جرير عن عبد الله بن أبي مليكة قال: "غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت لم؟ قال طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت"، وهذه العلامة يراها المؤمنون ولا تضرهم شيئاً وإنما هي إنذار للكافرين ببدء حلول العذاب ونزول النقمة بهم. ويمكث الدخان أربعين يوماً.
ولذلك بعد ظهور هذه العلامة تأتي ريح ليِّنة من قبل اليمن فتقبض أرواح المؤمنين جميعاً ولا يبقى إلا الكافرين، وذلك لصب العذاب عليهم وممايدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته" (رواه مسلم والحاكم).
ومما ذكرناه يتبين لنا أن العلامات التي يراها المؤمنون بالترتيب هي:
(الدجال-عيسى بن مريم عليه السلام-يأجوج ومأجوج-طلوع الشمس من مغربها-الدابة-الدخان)
والعلامات التي لا يراها المؤمنون حيث أن الله تعالى يتوفى النفوس المؤمنة قبلها حتى لا يروا زلزلة الساعة وهي ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، والرابعة نار تخرج من قعر عدن أو من المشرق تسوق الناس إلى محشرهم، والخسف: هو انشقاق الأرض وابتلاعها الناس وهو نوع من أنواع العذاب والنقمة. ومما يدل على عدم رؤية المؤمنين لهذه العلامات قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" وقوله "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
وختاما نقول:
ينبغي على المسلم أن يتقي الله عز وجل وأن يستعيذ به من المسيح الدجال، لعل الله أن يقينا وإياكم فتنة الدجال ويجعلنا وإياكم من أهل الجنان ويحجب عنا وعنكم بعفوه النيران، كما أنه ينبغي عليه أن لا يكون من الجيش الذي يذهب لقتال المهدي عليه السلام، وأن لا يكون من الثلث المنهزم من الملحمة الكبرى فَيُحرَم التوبة فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يستشهد بهذه الملحة الكبرى بأنه أفضل الشهداء وأما الثلث الذي يفر من القتال فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شر الخلق يوم القيامة وبأنه لا توبة له وذلك لأنه خذل المسلمين في وقت حاجتهم إليه ونبين هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن في هذه الملحمة الكبرى سيهزم ثلث الجيش وهم من شرار الخلق، وسيستشهد الثلث الثاني وهم أفضل الشهداء عند الله، وسينتصر الثلث الثالث والأخير وهم من أفضل الخلق، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سَبُوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون: لا والله لا نُخلّى بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث (أي ينسحب ويفر من المعركة ويخذل المسلمين أحوج ما يكونون إليه) لا يتوب الله عليهم أبدًا ويُقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله ويفتح ثلث لا يُفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علّقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون-وذلك باطل- فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يُسوّون الصفوف إذ أقُيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم-عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- فأمّهم (أي قصدهم وتوجه إليهم) فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح فلو تركه لانذاب حتى يَهلِك ولكن يقتله الله بيده (أي بيد عيسى عليه السلام بحربته) فيريهم دَمَه في حربته".
فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه وتذكروا أن الدنيا فانية وأن الآخرة هي الباقية. وتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وضعوا نصب أعينكم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يقول: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا َوزِنُوا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوَزَنَ لَكُمْ ".
ولا تنسوا عباد الله أن قلوبكم معلقة بيد الله يُقَلِّبُهَا كيف يشاء حيث أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي رواه الترمذي "عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرْ أن يقول، يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك، فقلت يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا، قال نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يُقَلِّبُهَا كيف يشاء". فاتقوا الله واخشوا يوماً لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئا ولا مولودٌ هُوَ جازٍ عن والده شيئا واعلموا أنه من أراد الله به خيراً فذلك الخير كله ومن أراد الله به شراً فلا يلومنَّ إلا نفسه.
وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . [/size]