قصه الحلم الكبير

كنت كل صباح اصادف وأنا ذاهب إلى عملي بائعاً للجرائد والمجلات يقف على ناصية
الشارع
يصدح بصوته الرنَّان الجهوري الواثق من نفسه وكأنَّه مذيع أخبارٍ لإحدى
المحطات الفضائية وهو يُرَوِّجُ لبيع جرائده
ومجلاَّته بصيغةٍ مُشِّدَ ةٍ للانتباه , ومُلفتة للنظر, تتخيَّله وكأنَّه
يُذِيعُ عاجِلاً وهو يُنادي (نهار,حياة,جمهوريَّة,أَخبار أَهرام
,حوادث,شبكة,الصيَّاد ,آخر ساعة) وكان يرددّها بِلَحْنٍ مُمَيْز, ولا أم
كلثوم في زمانها, فَتَرى الجماهير يقبلون عليه الواحد تلو الأخر ليحظوا بنسخة
من جرائده أَو بمجلةٍ من جعبته التي لا تفرغ من شِدَةِ ما يضع فيها,ويحملها
بين ذراعيه اللتين لا تهدأن أبدا ,اليمنى تقبض ثمن الجرائد التي يبيعها
واليسرى تَردُّ السلام والتحيَّة على زبائنه الذين
يتوددون إليه ويعرفونه معرفة صديقٍ حميمٍ لصديقه.
وكان سعد في العقد الثالث من عمره معتدل القامة أَسمر البشرة مليح الوجه
رقيق الملامح والقسمات وله محجر
عميقٌ بعض الشيء يشعُّ منه عينان سوداوان لماَحتانٍ وكأنَّهما مصباحانٍ في
ليلةٍ دامسةِ السواد كلون شعره ويرتدي
ملابس أنيقة ولكنها متواضعة بسبب ظروفه المادِّية, تقرأ في عينيه وميض
ذكاءٍ ونشاطٍ وإقدام
كنت ألتقي به كل يوم صباحاً في نفس المكان , فأشتري منه صحيفتي التي تعودت على
قرأتها,
وأُتابع سيري إلى العمل ,ولكنِّي عندما أَعود في المساء لا أجده في مكانه رغم بقاء جميع أصدقائه الباعة في أماكنهم الصباحية،ممّا أثار فضولي ، و بلا شعور ومن دون قصد رحت أتَقَصَّى أخباره ,وقد كان وراءه
حكاية تختلف عن
غيره .
ولد سعد في عائلةٍ كادحة مطحونة تعيش تحت دائرة الفقر ,في قرية
نائية في أقصى جرد البقاع المترامية الأطراف ,تعمل في الأرض لكسب قوتها
اليومي كباقي سكّان القرية, التي تَكُنُّ
لهم الغيرة والحسد على هذا الولد النبيه, وكان أبواه يعيشون على أَمل وحيد
,وهو أن يعملوا ليتابع
دراسته حتى يصل إلى مرتبة عالية في العلم ويتبوأ منصباً مرموقاً يشرفهم
ويرفع رأسهم بين
عائلات القرية.
ولكن... للأسف سعد لم يرافقه هذا الاسم طويلا ,